بدون مقدمات تخيل إحتفال مهيب ..
هيا تخيل معى إحتفال مهيب ..
أطلق لخيالك العنان، فسترى حينها زينة معلقة بكل مكان، وزهور مصفوفة متعددة الألوان .. حضور ضخم، و حرس خاص .. مارشات عسكرية و قرآن .. ثم تصفيق حاد ..
و ها أنت تصعد بثبات درجات السُلم المؤدى الى خشبة المسرح متأهبا لمراسم التتويج .. فاليوم تمنح الجماهير الغفيرة سيادتكم المرتبة المنشودة والدرجة الرفيعة ..
فأخيرا وبعد مجهود حثيث ومتواصل من طرف معاليك، ونزولا على رغبة الجماهير ستُمنح اللقب المُقدس .. لقب “مُتدين”!
..
و تحسبا لتعليق المشانق، وقبل أن يتزود البعض بالحجارة أو حتى بالشباشب، اُطالب بإعطائى فرصة للتوضيح ..
سيدى القاضى .. حضرات المستشارين ..
من المفترض أن التدين هو طريق يسلكه المرء رغبة فى إرضاء الخالق، الا أن الأية تنقلب أحيانا لدى البعض فيتحول التدين لأداة من أجل إرضاء الخلق كواحد من التطبيقات العملية لمنهج من برا هالا هالا ومن جوا يعلم الله.
ويبقى قرار التدين من عدمه والدوافع الحقيقية المستخبية ورائه هى مسائل ترجع الى صاحبها، ومن تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه، وتجنبا لرائحتها لن أتدخل بين البصلة وقشرتها .. لكن عندما يدعى المرء التدين مُحصنا فقط ببعض مظاهره ويبدأ فى شن هجوم على كل من لا يتبع ذات المذهب القائم على تقديس المظهر، أو عندما يتناقض سلوك الفرد مع ما يدعيه من تدين، فحينها أستئذنكم فى الحديث .. فمن ذا الذى تفضل وأفتى بأن المُتدين ليس سوى لحية، وسبحة، وشوية حاجات فوق بعض!
قد لا يفلت من يده السبحة .. عظيم، لكنه للأسف لا يغض البصر!
ترتدي الحجاب .. أحسنت، لكن لسانها لا يكف عن ذكر مساوئ الآخرين!
نراه يقوم للوضوء من أجل الصلاة خمسة مرات باليوم الواحد .. بارك الله فيه، لكنه لا يؤدى عمله بضمير!
مع احترامى لهؤلاء فعلى ما يبدو لى انهم قد اختارو من الدين مظهره فقط، لكن عموما الله اعلم بالنيات، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .. لكن بالرغم من إلتزام الكثيرين بسياسة عدم التدخل بالشئون الداخلية للبصلة وقشرتها، فإن رائحتها هى التى لا تتوقف عن مطاردتهم ولا تتركهم فى حالهم .. فهم من لا يُغَض البصرعنهم، وهم من يتسلى أشباه المتدينين بذكر مساوئهم، وهم أيضا من يتأذون لعدم أداء هؤلاء لعملهم بضمير!
غريب أمر تلك البصلة .. ربما مزيد من الخيال قد يساعد على فهم سلوكها، بل والأهم فهم الأسباب وراء تصديق البعض لها وتشجيعها ..
قد تساعدنا على فهم تلك الأيدلوجية البصلاوية العودة للقول الشائع بأن المصريين شعب مُتدين بطبعه .. للأسف لم يحتفظ الأستاذ صاحب ذلك القول المأثور بتلك المعلومة لنفسه، فمن الواضح أن البعض اكتفى بوراثة التدين من خلال ما يحمله من جينات مُبارَكة، وبالتالى لا يبزل أى جهد ليس من أجل التدين، وإنما حتى لمجرد إدراك القيم الحقيقية لما يعتنقه من دين.
ثم تاتى “فلسفة كل اللى يعجبك والبس اللى يعجب الناس” المتوارثة عبر الأجيال لإتمام المهمة بنجاح، حيث يتخير أشباه المتدينين من الدين ما يستطيعون هضمه، وسعيا لنيل إعجاب الجماهير يرتضون بالتدين زيا لإرتدائه .. وهكذا يحظون بإعجاب الملايين.
وانطلاقا من كون الوراثة هى التيار السائد مؤخرا، موسم يعنى كل سنة وانتم طيبين، فالشئ بالشئ يُذكر .. فيا حضرات القارئين مسلمين كنتم أو مسيحيين فى كلتا الحالتين فقد ورثتم فى الأغلب هذا الدين أو ذاك عن أبائكم، ولا يوجد بالتأكيد ما يعيب ذلك، لكن المشكلة حين تقتصر مهمتنا على إستلام التركة وفقط، وبالتالى يقتصر دورنا فيما بعد على إقامة شعائر دون فهم وتطبيق للقيم والمبادئ، بما يساهم فى تحول الدين الى مجرد معيارا للتصنيف و تحول التدين للقبا للتمييز .. وهو ما يتفق فى النهاية مع مصلحة البصل العليا.
وهكذا عندما يكون لقب “مُتدين” هو المُراد وحينما يصبح إرضاء الخلق وليس إرضاء الخالق هو المُبتغى، توقع اذن أن يتسبب البصل برائحته فى مزيد من الإحتقان والدموع الساخنة .. طالما يتبع البعض تلك الإستراتيجية القائمة على التدين بالوراثة والبصل فى الخباثة!